mercredi 15 janvier 2014


حوار مع افرام عيسى يوسف
صدر في جريدة: سورايا




الحضـارة المسـيحية ما زالـت تمثـل انموذجـا لكـل الشـعوب لأنهـا انموذج للتعايـش وفقـا لمبـادئ
 حقـوق الانسـان
........................... 
العمود الفقري للحضارة المسيحية هو الحضارة  اليونانية والثقافة المسيحية امتداد للثقافتين اليونانية والرومانية
..............................   
حــــوار : مال اللــــه فـــــرج
malalah_faraj@yahoo.com
................................
يكتسب الحوار مع شخصية فلسفية ثرة ، تمتلك من التراكمات العلمية والتاريخية الحضارية اضاءات تمد جذورها بعيدا لتصل ربما الى التكوينات الاولى لومضات اولى الحضارات الانسانية ، بعدا فلسفيا تتمازج في جزيئياته روائح التاريخ ووقع خطوات ابرز قادته بالاغناءات الفكرية لفلاسفته بتجليات الفكر الانساني عموما ، وهكذا كان حوارنا مع بروفيسور الفلسفة والحضارات الدكتور افرام عيسى يوسف ، حامل شهادتي الدكتوراه من فرنسا ، الاولى في الحضارات القديمة من جامعة نيس والثانية في الفلسفة من جامعة تولوز فضلا عن كتبه واصداراته العديدة باللغة الفرنسية الى جانب كونه احد الاعضاء المؤسسين للدراسات السريانية في باريس ومدير قسم الشرق الاوسط والمغرب العربي في احدى كبريات دور النشر الفرنسية.
قلبنا سوية صفحات التاريخ القديم وابحرنا معه في قارب الصراحة والتحليلات الوثائقية والافرازات المعاصرة وسط دوامات المحيط الواسع للحضارة والثقافة المسيحيتين وتراكماتهما المعرفية وأبرز تأثيراتهما على الحضارة الانسانية فضلا عن التحديات التي باتت تواجههما، فكان هذا الحوار.
حوار: مال اللـــه فرج


*كيف انبثقت اولى براعم الحضارة المسيحية؟

ـــ ان العمود الفقري الذي يمثل الاساس للحضارة المسيحية هو الحضارة اليونانية العريقة بكل معنى الكلمة، ولنا ان نذكر ارسطو طاليس او افلاطون او سواهما من كبار الفلاسفة اليونانيين لنتأكد بأن البشرية لحد الان لم تنجب اشخاصا بكفاءتهم وبمستوياتهم. انما لشديد الاسف فان الغالبية العظمى من الناء هذا الجيل لم يقرأوا افلاطون ولا ارسطو ولا بقية اعمدة الحضارة اليونانية، الذين أبدعوا في تنظيم الحياة المدنية وفي بناء اسس القانون، فالمجتمع لا يمكن ان يبنى ويتطور ويتواصل ويستمر ان لم يكن هنالك قانون يحدد لكل فرد في المجتمع حقوقه وواجباته، وحينما وجود مثل هكذا قانون يمكن ادارة البلاد بصورة عادلة وعقلانية.

 انت ترى ان الحضارة المسيحية هي امتداد للحضارة اليونانية.

ـــ بلا شك، لان الديانة المسيحية عندما بدأت، فان الاناجيل كتبت اولا باللغة اليونانية وكذلك قانون الايمان الذي اقر سنة 325، فكانت الثقافة اليونانية هي المنبع الاصلي الاول للثقافة المسيحية خصوصا وان اباء الكنيسة هم الذين استخدموا التراث اليوناني وصبغوه بالصبغة المسيحية، ولهذا فإننا نستطيع القول بأن الثقافة المسيحية هي امتداد للثقافتين اليونانية والرومانية.

*كيف نقيم جذور الثقافة المسيحية وتأثيراتها؟

ـــ نلاحظ الى  اليوم بان الحضارة المسيحية انجبت الانسان المعاصر، لأنها كما اسلفنا امتداد للحضارتين اليونانية والرومانية على الرغم من تأثيرات الفترة المظلمة من القرون الوسطى ومحاكم التفتيش، لكنها رغم ذلك انجبت الانسان المعاصر بكل معنى الكلمة، لان الانسان عندما بدأ يدرك حقوقه فانه بدأ يتململ ثم ينتفض لأجل تحقيقها وانتزاعها، فجاءت الثورة الفرنسية لتكون العمود الفقري لحقوق الانسان حيث تم الغاء نظام الطبقات والعبودية وانواع الاستغلال الذي كان موجودا آنذاك لتصبح تلك الثورة مدرسة للحياة ولحقوق الانسان.

*ما تقييمك للامتدادات الحضارية والثقافية والتاريخية للمسيحية في عصرنا الراهن؟

ـــ الحضارة المسيحية البارزة الان في المجتمع الغربي ما زالت تمثل انموذجا لكل الشعوب وليس للغرب وحسب، لأنها انموذجا للتعايش والعيش المبني على حقوق الانسان وحقوق المواطن والمواطنة الصحيحة والتي ازدهرت مع مرّ الزمن، في اليابان وامتدت الى الصين واميركا الجنوبية وحتى الى روسيا التي كانت شيوعية.  بدأوا يفكرون بان هذا هو الاسلوب الصحيح الذي يستطيع الانسان به، ادارة حياته الاجتماعية والسياسية بطريقة ديمقراطية.
ان نتائج كل هذه القيم المعاصرة انما انجبتها الديانة المسيحية، لكننا لانشك بان هنالك ثقافات اخرى مختلفة، فالعالم الاسلامي مثلا له ثقافته، وقسم منه لا يريد ان ينتهج الطريقة الغربية في تشكيل المجتمع الجديد، بل يريد مجتمعا خاصا يستمد جذوره من التاريخ الاسلامي ونحن بالطبع نحترم ذلك ونحترم كل الخيارات الثقافات الأخرى.
ما أبرز التأثيرات والتحديات التي تهدد حضارتنا حاليا؟
ـــ هنالك تهديدات كبيرة وشديدة، لان تقدم وتطور اية حضارة يجعلها بنظر الاخرين تهديدا ربما لحضاراتهم ولثقافاتهم ولنمط حياتهم، مما يضعها في دائرة الخطر ويمكن ان تتعرض للانتهاكات والكسر. فالحضارة اليونانية كانت مثلا في طليعة الحضارات الانسانية لكن مع مرور الزمن حدثت حروب وغزوات ادت لتدهورها، والامر نفسه يمكن ان يحدث الان ويلقي بتأثيراته السلبية على التطور الانساني الحالي وعلى الحضارة الانسانية، وفي مقدمة ذلك العنف والتزمت القومي والتطرف الديني ، فان من يتبنى ذلك لا يستمع للأخرين ولا يقبلهم ولا يرغب في الاندماج في المجتمع الانساني بصورة جيدة ، ومثل هذه المواقف تؤذي الحضارة المعاصرة وتحاول كسرها.

*هل ترى في العولمة اضافة حضارية ام انها عملية طمس للحضارات الاخرى؟

ـــ العولمة تضم امورا جيدة، لأنها تسعى لبناء نظام مفتوح امام جميع الشعوب، لكن ان تكون العولمة: سيطرة السوق وهيمنة الرأسمالية واذلال الفقير والمسكين والضعيف ، فإننا لا نرغب بمثل هذه العولمة. اما عندما تكون العولمة مشجعة ودافعة للتطور الانساني والاقتصادي والتقني وتمنح الفائدة للجميع فإنها تكون محط خير و جذب اهتمام الجميع، وعلى سبيل المثال احدثت العولمة في المجتمع العصري ثورة تكنولوجية بالأخص في تقنية وسائل الاتصال الحديثة سواء من خلال هذا الكم الغير المحدود من القنوات التلفازية أو من خلال الهواتف النقالة او الانترنت. فاصبح بإمكانك ان تحقق بلحظات اتصالا مع ابعد نقطة في العالم وبشكل مباشر , وهذا النمط من العولمة هو الذي يحتاجه الانسان لأنه فتح الابواب والشبابيك من جميع الجهات وجعل من العالم اشبه بقرية صغيرة، لا نه  يتم بسرعة تبادل المعلومات والاتصالات وتنتشر الاختراعات والابتكارات.

*وقد تكون العولمة قاعدة لواقع حضاري معاصر يلغي ما قبله

 ـــ بالطبع، فمن الممكن ان تؤذي العولمة المجتمع الحضاري المعاصر وتحطمه، فكم من الحضارات على مر الاجيال قامت وازدهرت كالحضارة السومرية التي انهارت لأسباب عديدة وكذلك الحضارات الأكدية والاشورية والبابلية واليونانية والرومانية، لان الحضارات تشبه بالشجرة تمتد وتزدهر ويمكن كذلك ان تشيخ وتضمحل مع الزمن، لأسباب وعوامل خارجية التي  تؤدي الى انهيارها او تحطيمها او ايذائها.

*ـ مختلف الجهات تدعو الان الى حوار الحضارات،

 هل بالإمكان اقامة حوار حقيقي للحضارات ام انها مجرد دعوات لتحقيق اهداف معينة او لعبور ازمة ما او لإطفاء بعض الحرائق؟
ـــ حوار الحضارات مشروع انساني مهم، لكننا حينما نتحدث عن حوار الحضارات خصوصا بين الشعوب التي هي بحاجة اليه ، نجد للأسف الشديد في مناطق مختلفة انفجار الصراع بدل الحوار، ومثل هذه الصراعات هي التي تقود الى التطرف، والتطرف بدوره يقود الى العنف ، والعنف يؤدي الى حظر لكيان الانسان في مقوماته الأساسية.

*اذا كيف بالإمكان اعادة احياء حضارتنا وتراثنا في خضم كل هذه التحديات؟
ـــ نحقق ذلك من خلال اعادة بناء الانسان، لأنه كيف يمكنك أن تبني الديمقراطية اذا كان الشعب غير ديموقراطي؟ ان الانسان الديمقراطي هو الذي يبني الديمقراطية، لأنه الاداة  الفعلية في عملية البناء هذه، لذلك يتوجب علينا بناء انسان متحضرو متعلم ومتفتح على الاخرين ومثقف وواعي. وان يحترم الاخرين ويمتلك مبادئ وقيم الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الانسان ويؤمن بها. ان مثل هذا الفرد، هو الذي يبني المجتمع ويستطيع المساهمة في اعادة احياء الحضارة والتراث.

*الا ترى ان التشرذم المسيحي والاستقطاعات القومية لمكوناته تمثل اسبابا رئيسية لتشظي 
حضارتنا وانقطاع السلسلة التاريخية بيننا وبين اجدادنا؟

ـــ طبعا هذا لا شك فيه، لان تاريخنا شهد انقسامات عديدة في المسيحية من الجيل الرابع مما ادى لانقسام الى عدة كنائس وعدة بطريركيات والى جماعات متعددة، بحيث ان ذلك الانقسام لم يستطع تجديد وتطوير ذاته، وادى بذلك الى الوضع الحالي المأساوي والصعب. وبدل ان نتطور ونبني فوق قواعد الماضي وتراثه، أصبحنا نفكر فقط في الماضي العريق اما الحاضر فربما اصبحت عليه علامة استفها.

*الا ترى ان اليونسكو مقصرة في الحفاظ على رموز حضارتنا التاريخية؟

ـــ اليونسكو مقصرة جدا جدا، لأنها تحت ادارة الحكومات من خلال ممثليها. ولأول مرة في تأريخها ومنذ تأسيسها طلبت من أحد بناء بلاد الرافدين (أنا) التحدث عن دور الفلاسفة السريان في نقل الفلسفة الى العالم الغربي. وحدث ذلك قبل حوالي ثلاث سنوات، فالقيتُ خطابا حول دور البارز للفلسفة السريانية وقد سرهم ذلك جدا واثنوا عليه. لكنهم لم يحركوا ساكنا لأسباب معينة وفي مقدمتها ان اليونسكو تُدار من قبل الحكومات التي تمتلك سفراء لها في هذه المنظمة وهم الذين يقررون تنظيم المؤتمرات واللقاءات. ونحن للأسف ليس لدينا سفير في اليونسكو ولا امكانية الحوار والدخول في مؤسساتها المتمحورة في الحقل الحضاري الثقافي، مما يحتُ يونسكو ان تتبنى قضايانا.

*الا ترى اهمية تحديث نظام اليونسكو باستبدال سفراء الدول مثلا بممثلي منظمات المجتمع المدني؟

ـــ طبعا، انما من الممكن احداث امتزاج بين الاثنين، وعلى سبيل المثال تخصيص جناح للدول الممثلة في اليونسكو وجناح اخر لممثلي المجتمع المدني او للشعوب الصغيرة لتمثيلها في هذه المنظمة، لان الشعوب الصغيرة لا احد يدافع عنها رغم انها غالبا ما تكون الاكثر غنى وثراء تراثيا وتمتلك قيمة حضارية عريقة، اذ ليس مهما عدد الناس انما الاهم للنوعية. الخلل في اليونسكو لان الشعوب الصغيرة ليس لها تمثيل  او وجود عندها ولا تهتم بتطوير تراثها وثقافتها.

*كيف تقيم اوضاع المسيحيين في الاقليم؟

ـــ وضع المسيحيين في الاقليم يتمثل في حرية العمل والكتابة والتأليف والانشطة المختلفة، لكن هنالك بالطبع مشكلة لديهم تتمثل في تعددية احزابهم وفي كنائسهم أيضا، وكان من الضروري ان يعقد لقاء عام وان يتم حوار شامل ومعمق بينها، حتى يكون للأحزاب المسيحية الكلدانية السريانية الاشورية هدفا واحدا معينا وخطابا واحدا، اما الان فان خطابهم مبعثر بصورة عجيبة كما ان الجمعيات المدنية لها مصالحها وافكارها الخاصة وهذا ما يؤدي الى مجتمع ضعيف.

*هل لديكم مشروع او خطة محددة لإعادة اشراقات الحضارة المسيحية؟

ـــ بالطبع كانت لدي عدة طموحات، فهل ستنجح يوم ما؟ اتمنى ذلك وربما سيأتي بعد قرون اشخاص من بعدنا وينفذونها، وعلى سبيل المثال فان احدى امنياتي ان يكون لهذا الشعب الموجود في بلاد الرافدين و الذي يمتلك تراثا حضاريا ثريا  بان يأسس جامعة تنجب وتخّرج كوادر من المثقفين يمتلكون خصوصيتهم لنشر ثقافة السلام والديمقراطية. لكن للأسف الشديد فان ذلك لم يتحقق لحد الان مع انه بالإمكان اقامة مثل هذه الجامعة هنا في عنكاوا تحت مسمى جامعة بلاد الرافدين وتستخدم اللغة السريانية مثلا. لان اي شعب يمتلك لغة وحضارة وتاريخا اشعر بان من حقه ان يؤسس جامعة مفتوحة غير طائفية وشعبنا له خصوصيته ويمتلك ثروة حضارية، كانت هذه احدى طموحاتي لكن جهودي بهذا الاتجاه لم تثمر لحد الان، الى جانب فكرة اخرى تتمثل في اهمية ان يكون هنا في الاقليم مركز للدراسات والبحوث حول مراجع ومصادر تاريخنا وحضارتنا يتولى توفير المصادر للباحثين عوض ان يتوجه الباحثون الى باريس ولندن بحثا عن مثل هذه المصادر يجدها هنا. هذه مقومات اولية لأي شعب يطمح ان يكون له مستقبل وعز وكرامة.

*ما ابرز ما نحتاجه من اجل احياء وتوثيق ابرز مراحل تاريخنا واشراقاته عالميا؟

ـــ نحتاج جهدا جماعيا حقيقيا وامكانات وكفاءات ومستلزمات مختلفة. ومن جانبي حاولت عبر كتاباتي التاريخية وأبحاثي وكتبي تعريف المجتمع الغربي بإشراقات تاريخنا وحضارتنا من خلال نشر ذلك باللغة الفرنسية، كما تُرجمت معظمها الى العربية والتركية من اجل ان تتعرف الشعوب الاخرى على تراث هذا الشعب وتدرس اهمية فلاسفتنا وتاريخنا وحضارتنا، كما شاركت في تأسيس وتنظيم مؤتمر نصيبين سنة 2010حول تاريخ مدينة نصيبين وحول جامعتها العريقة. وحضر في ذلك المؤتمر اكثر من 800 شخص من بينهم اشخاص مميزون من العراق.
اما المؤتمر الثاني فقد انعقد في 18من أيلول الحالي عام 1013 وفي مدينة نصيبين ايضا وتناول خصوصية التعليم في مدرسة نصيبين  السريانية الشهيرة وحضره عدد كبير.
 كما ساهمت مع عدة أساتذة فرنسيين في تأسيس مجمع للغة السريانية في باريس قبل عشرة أعوام، حيث يجتمع سنويا اكثر من 150 استاذا مختصا في تراثنا، للقيام بابحاث حول مواضيع تتعلق بتاريخنا: كالتواريخ السريانية والعلوم السريانية والعمران السرياني ومواضيع أخرى. وفي كل مرة نقوم بإصدار كتاب خاص حول الموضوع الذي خصنا نقاشاتنا ودراستنا له. والان اعضاء مجلس الدراسات السريانية يربو على 120 متخصصا واستاذا، يقومون بالتدريس وبالبحث حول تراثنا السرياني المحبوب عند الغربيين.

*هل ترى وجود محاولات دولية او اقليمية لطمس ارثنا التاريخي وعمقنا الحضاري؟

ـــ هنالك بعض الاشارات حول هذا الموضوع، خصوصا في الموصل وبغداد والبصرة. نعم هناك شلة متطرفة تقوم بتخويف المسيحيين وترويعهم ودفعهم للهجرة وترك دورهم ومهنهم. لكن هذا الامر لم نجده في اقليم كردستان، بل هنالك مؤشرات ايجابية بالنسبة للمسيحيين في الاقليم وفي الوقت نفسه هنالك مؤشرات سلبية خارجه لا تبشر بالخير.

افرام عيسى يوسف